بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 5 مايو 2012


محمد عبد ربه يكتب: عورة أم عوار؟ - منبر الشروق



      من المعروف أن الإسلام يقر بأن جسد المرأة عورة وأنه مفروض عليها أن تستر جسدها، واستثنى بعض الفقهاء تغطية الوجه والكفين. أردت أن أعرف المغزي من استخدام كلمة "عورة". هل هي بمعني العوار أي الشيء المعيب الذي يجب ستره لعيوبه أم أن لها معنى آخر؟
     بحثت في القرآن الكريم عن كلمة عورة فوجدتها ذُكرت في الآيات الثلاثة التالية:

الآية الأولى: ] وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13)[ سورة الأحزاب

الآية الثانية: ] وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) [سورة النور

الآية الثالثة: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) [سورة النور

    بحثت عن معني كلمة "عورة" في الآية الأولى التي ورد وصف البيوت فيها بأنها عورة في كتب التفسير عبر موقع شامل لكتب التفسير على الرابط التالي:      
http://www.mosshaf.com/web/
ووجدت التفسيرات التالية:
تفسير الجلالين: غير حصينة يخشى عليها
تفسير ابن كثير: ليس دونها ما يحجبها من العدو فهم يخشون عليها منهم
تفسير فتح القدير: ضائعة سائبة ليست بحصينة ولا ممتنعة من العدو
وباقي التفاسير تتفق على نفس المعني.
     في الآية السابقة، إذا افترضنا أن كلمة عورة هي بمعني العوار أي العيب والقبح الواضح في صفة البيوت، فالسؤال الآن: لماذا يخافون عليها من هجوم الأعداء، وهل سيشغل الأعداء بالهم وتفكيرهم ويشتتوا جهودهم بالهجوم على بيوت معيبة وقبيحة؟
     بالتأكيد لن يحدث ذلك. الفرض البديل هو أن هذه البيوت فيها من الزينة والمحاسن ما يجعلها مطمعاً للأعداء وهي عورة أي أنها ليست محصنة بما يحميها من هجوم الأعداء وهو ما ذهبت إليه كتب التفسير. فالعوار أو العيب ليس في صفات هذه البيوت وإنما العوار أو العيب يتمثل في ضعف الحماية لهذه البيوت.
من وجهة نظري، أرى أنه عندما يخبرنا الإسلام بأن جسد المرأة عورة، فمعنى ذلك أن به من المحاسن والمفاتن ما يجعله مطمعاً للرجال، والمرأة بطبعها أضعف من الرجل، ففرض الإسلام على المرأة ستر محاسنها ومفاتنها لحمايتها من الطامعين.
 إذا كان الإسلام يرى عورة المرأة بمعنى العوار أو القبح فلم يأمرها الله عز وجل أن تخفي زينتها عن الرجال باستثناء الزوج أو المحارم الذين منهم " الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ " بمعنى ( لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهم الرحيم وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن) تفسير ابن كثير. وذلك واضح في الآية الثانية المذكورة سابقاً.
نفس المعنى يتحقق في الآية الثالثة المذكورة سابقاً، حيث أمر الله عز وجل "بأن يستأذن العبيد والإماء والأطفال الذين لم يحتلموا من الأحرار ‏(‏ثلاث مرات‏)‏ في اليوم والليلة‏:‏ قبل صلاة الفجر لأنه وقت القيام من المضاجع وطرح ما ينام فيه من الثياب ولبس ثياب اليقظة‏.‏ وبالظهيرة‏:‏ لأنها وقت وضع الثياب للقائلة‏.‏ وبعد صلاة العشاء لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والالتحاف بثياب النوم‏.‏ وسمى كل واحدة من هذه الأحوال عورة لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها‏.‏" تفسير الكشاف.

أرى أن الإسلام حين يفرض على المرأة أن تستر جسدها، فذلك يكون على أساس أنه عورة وليس عواراً. هو عورة أي أنه يشتمل على حسن الصفات مع ضعفها عن  حمايته، ويكون ستره صوناً وحماية له. وهو ليس عواراً بمعنى القبح الذي تسعى لإخفائه. وصدق الله العظيم: ] اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) [ سورة غافر