بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 21 فبراير 2013

سحل العقول




منذ فجر التاريخ والأنظمة الحاكمة في بلدنا ترتكب جريمة "سحل العقول" بطريقة ممنهجة ومنظمة ضد المواطنين بهدف إخضاعهم والسيطرة عليهم. سحل العقول هي عملية دفع المواطن إلى الإيمان بوجود ارتباط بين عدة مفاهيم لا توجد بينها علاقة منطقية مثل الإيمان بأن استبداد الحاكم هو وسيلة لحماية الدولة من الأعداء أو أن قانون الطوارئ هو أفضل السبل لتحقيق الأمن.

تبدأ عملية سحل العقول بقيام النظام الحاكم بالاستخفاف بمواطنيه. ففي مصر الفرعونية استخف فرعون بقومه قائلاً " أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى" فوجد الطاعة منهم. وفي مصر الحديثة يستخف بنا الرئيس مرسي معلناً أنه رئيس لكل المصريين.

تتطور عملية سحل العقول من الاستخفاف إلى طلاء الاستبداد بصبغة دينية. فحين خشي فرعون من انتشار دعوة موسى عليه السلام، بدأ يستثير العاطفة الدينية المتأصلة في قلوب المصريين قائلاً " إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ" . وحين أصدر مرسي الإعلان الدستوري المجحف، نظم مؤيدوه مليونية نُصرة " الشريعة والشرعية " رغم أن الإعلان الدستوري لم يتطرق إلى الشريعة ولم يعترض أحد على شيئ يمس الشريعة.

حين لا تنطلي حيل الاستخفاف أو تغليف الاستبداد بغلاف ديني على المواطنين، يلجأ النظام الحاكم إلى سحل العقول بإسقاط عملية السحل على الأجساد. يقول فرعون مهدداً موسى: " لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ "، ثم يبدأ فرعون عملية السحل الجسدي لمؤيدي موسى عليه السلام " لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ". 
وفي عصر مرسي خطى ناصحوه على نهج قوم فرعون في النصح: " وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ"، فتمت التصفية الجسدية لجيكا والجندي وأبوضيف وكريستي وغيرهم من المعارضين، كما تمت عمليات التحرش الجماعي بالنساء والفتيات المتظاهرات بميدان التحرير.

تتوهم الأنظمة الاستبدادية من عهد فرعون إلى عهد مرسي أن سحل الأجساد سوف يؤدي إلى إخضاع وتطويع العقول. الحقيقة أن سحل الأجساد يؤدي إلى تحرير وتمرد العقول. فحين هدد فرعون قوم موسى بسحل أجسادهم " قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ".