بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 ديسمبر 2012

جماعات إسلامية . . أم جماعات انفصالية


ماذا كان يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال "يد الله مع الجماعة"؟ هل كان يقصد جماعة الإخوان المسلمين أم جماعة السلفيين ...الخ، أم كان يقصد جماعة المسلمين الكبرى التي تضم جميع المسلمين بما فيها المسلمين المنتمين لهذه الجماعات بصفتهم كمسلمين وليس بانتمائهم لهذه الجماعات؟

من وجهة نظري، أرى أنه في الإسلام لا توجد إلا جماعة واحدة تُظل في ظلها كل من شهد بأنه "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" سواء كان صالحاً أم عاصياً. هذه الجماعة ترى المسلم كما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه." المسلمون في هذه الجماعة قد يختلفون في الآراء، لكن لا يقتل بعضهم بعضاً. فعن أبي بَكرَةَ نُفيع بنِ الحارثِ الثقفيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: (إِذَا التَقَى المُسلِمَان بسَيْفَيهِمَا فالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النّارِ) قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ ، هذا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المقْتُولِ؟ قَالَ: ( إنَّهُ كَانَ حَريصاً عَلَى قتلِ صَاحِبهِ).

إذن جميع المسلمين هم إخوان، والأُخوة هي صفة جامعة لجميع المسلمين، وعندما تنفصل جماعة من المسلمين وتسمي نفسها "الأخوان المسلمين" فهي قد اغتصبت لنفسها حقا ليس من حقوقها وهو الاسم الذي أطلقته على نفسها لأن هذا الاسم يشمل جميع المسلمين ولا يحق لجماعة تنفصل عن الجماعة الكبرى للمسلمين أن تسمي نفسها باسم هو في حقيقته صفة لجميع المسلمين وليس ملكاً لهذه الجماعة.

جماعة الإخوان المسلمين  الحقيقية التي تشمل جميع المسلمين هي جماعة  تتبع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في العقيدة والعمل،أي أنها جماعة من الإخوان الذين يتبعون منهج السلف كما طبقه الرسول والصحابة. وعندما تنفصل جماعة من المسلمين عن هذه الجماعة الكبرى وتسمي نفسها الجماعة السلفية، فهي قد اغتصبت لنفسها حقاً يخص جميع المسلمين وهو مسمى الجماعة السلفية لأنه صفة من صفات جماعة المسلمين الكبرى التي تضم جميع المسلمين.

قس على ذلك باقي الجماعات التي تنفصل عن جماعة المسلمين الكبرى والتي تتميز بأن جميع المسلمين فيها إخوان يتبعون منهج السلف في العقيدة والعمل ويسعون إلى الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

أحد مشكلات هذه الجماعات الانفصالية أنها ترى جانباً واحداً فقط من خصائص جماعة المسلمين الكبرى كما هو واضح من أسماء هذه الجماعات، فتدفعها هذه الرؤية الغير كاملة إلى الدخول في صراع مع باقي الجماعات لكي تثبت أنها على الصواب وباقي الجماعات الانفصالية الأخرى على خطأ. وقد يتطور هذا الصراع إلى محاولة تشويه كل جماعة للأخرى وفي بعض الأحيان قد يصل إلى حد تكفيرها.

الطامة الكبرى تحدث عندما تدخل إحدى هذه الجماعات الانفصالية في صراع مع إخوانهم من جماعة المسلمين الكبرى. في هذه الحالة ترى الجماعة الانفصالية أنها هي فقط التي تمثل الإسلام وما عداها فهو باطل. هذه الرؤية الضالة تجعلهم يبررون قتل إخوانهم من جماعة المسلمين الكبرى بقولهم: "قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار."

إن أهم ما يميز جماعة الإخوان المسلمين الحقيقية التي تشمل جميع المسلمين أن التنافس فيها مشروع لإرضاء الله عز وجل، والتنافس لا يكون بالانفصال عن جماعة المسلمين الكبرى أو محاولة إطلاق الأسماء الرنانة على هذه الجماعات المنفصلة، بل يكون التنافس بالعمل الصالح لصالح المسلمين جميعاً. فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال : جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والعباس جالس عن يمينه ، وفاطمة - رضي الله عنها - عن يساره ، فقال : " يا فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعملي لله خيرا ; فإني لا أغني عنك من الله شيئا يوم القيامة".

التنافس لرفعة شأن المسلمين له أدوات ووسائل ليس من بينها هضم حقوق غير المسلمين،فعلى النقيض من ذلك، جماعة المسلمين الكبرى هي جماعة تسعى لإرساء قيم العدل واحترام حقوق غير المسلمين. يقول تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)) سورة الممتحنة
ويقول تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)) سورة المائدة

جماعة المسلمين الكبرى هي جماعة تضع يدها في يد كل من يسعى للبناء والتقدم اللذين هما مطلب لكل البشرية، هي جماعة لا تنغلق على نفسها، بل تدور في فلك الإنسانية الرحب، تتعاون مع غيرها لعمارة الأرض التي استخلفنا الله عز وجل عليها. يقول تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) سورة الحجرات