بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 1 أكتوبر 2015

ابن عامل النظافة قاضياً!




تكشف لنا الأيام تباعاَ عن تزايد حجم الفجوة بين الدستور الذي ارتضيناه وقبلناه حكما بيننا حتى يصبح الوطن كما يراه رفاعة الطهطاوي "محلاً للسعادة المشتركة بين بنيه" وبين التطبيق الفعلي للدستور على أرض الواقع.

فبينما ينص الدستور في أكثر من مادة على المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، نرى أن الواقع يسير في اتجاه معاكس. فعلى سبيل المثال تنص المادة (4) من الدستور على: "السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التى تقوم على مبادىء المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين فى الدستور."

وتنص المادة (9)على: " تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، دون تمييز."

وتنص المادة (53) على : "المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر.
التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون.
تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض."

رغم كل هذا التأكيد على المساواة وتكافؤ الفرص وتجريم التمييز، نرى الواقع نقيض ذلك تماماً. يقول وزير العدل السابق في لقاء تليفزيوني: "ابن عامل النظافة لا يمكن أن يصبح قاضيا... مع احترامي لكل عامة الشعب، القاضي لابد أن يكون مستنداً لوسط محترم ماديا ومعنويا". وحين واجه الوزير السابق انتقاداً شديداً من كافة فئات المجتمع رد قائلاً: "ما قلته مصمم عليه ومقتنع بيه لأن هو ده الواقع".

ومنذ عدة سنوات طالب وزير العدل الحالي حين كان رئيساُ لنادي القضاة بتعديل القانون (17 لسنة 2007) القانون الذى يفرض على خريج كلية الحقوق الحصول على تقدير جيد على الأقل للالتحاق بالنيابة العامة، والذى يراه الزند « انتقاصا من حق أبناء القضاة فى دخول العمل القضائى».

سنوات معدودة ماضية شهدت مصر خلالها ثورتان اشتعلتا على أرضها رفضاً للظلم وبحثا عن عدالة اجتماعية تحقق الترابط بين أبنائها، وما زالت مصر تبحث عن عدالة تروي ظمأها.

لكي نمنح قبلة الحياة إلى نصوص الدستور المتعلقة بتكافؤ الفرص، ونقلل الفجوة بين مطالبنا بتكافؤ الفرص وبين الواقع الفعلي الذي يسير عكس اتجاهها، أقترح إنشاء كلية للقضاء تكون مسؤولة عن تخريج العاملين بالسلك القضائي وأن يكون القبول بهذه الكلية وفقاً لمستوى التفوق الدراسي في الثانوية العامة دون أن تتدخل العوامل الاجتماعية للأسرة في القبول بهذه الكلية.

إن إنشاء مثل هذه الكلية سيقضي على التفاوت في سهولة أو صعوبة الامتحانات بين كليات الحقوق المختلفة على مستوى الجمهورية، كما أنه سيتيح نوعاً من الدراسة القانونية المتخصصة في مجال النيابة والقضاء إضافة إلى إتاحة فرصة متكافئة لجميع الطلاب المتفوقين للالتحاق بهذا المجال.

السؤال الآن، كيف نضمن أن ابن عامل النظافة لن يستغل عمله بالقضاء في تحقيق مكاسب شخصية؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لابد أن نتذكر أنه تم عزل أحد القضاة الذين أتوا إلى سلك القضاء "من وسط محترم إجتماعياً ومادياً" بسبب طلب رشوة جنسية!.


لكي نضمن أنه لن يقوم مسئول في هذا البلد باستغلال وظيفته لتحقيق مكاسب شخصية لابد من وجود رقابة شديدة على جميع المسئولين والعاملين بالدولة ويجب أن يصاحب هذه الرقابة عقوبات صارمة تشمل العزل من الوظيفة عند استغلال هذه الوظيفة لتحقيق مكاسب شخصية.